الحرة: تزامناً مع أطول فترة إغلاق..”كارثة” تهدد العمال السوريين في تركيا
في ذات اليوم الذي أعلنت فيه الحكومة التركية فرض حظر كامل في البلاد لمدة 21 يوما، تلقى الشاب السوري، عبد السلام الخطيب بلاغا من صاحب المصنع الذي يعمل به منذ أشهر، ومفاده بأن مدة الإغلاق لن تكون محسوبة ضمن مرتبه الشهري، وهو الأمر الذي انسحب أيضا على 18 عاملا سوريا بـ”ذات المصلحة”.
الخطيب الذي يقطن في منطقة “هدم كوي” في إسنيورت بمدينة إسطنبول بقسمها الأوروبي، تكمن آلية عمله في المصنع ضمن ما يسمى “العمل باليومية”، أي أنه يتقاضى أجرة اليوم الكامل، على أن يستلم في كل أسبوع حصيلة الأيام السبعة. هذه الطريقة من العمل تشمل أيضا آلاف العمال سواء في المصانع التركية المتفرقة في البلاد أو ضمن ورشات البناء والإكساء.
يقول الخطيب في تصريحات لموقع “الحرة”: “21 يوما دون أجرة تعني قرابة 2500 ليرة سورية. إن كان ذلك فقط فأنا راض لكن أتخوف من عدم العودة إلى عملي مرة أخرى، خاصة أن البترون (صاحب العمل) ألمح في أوقات سابقة عن نيته التخلي عنا، بسبب إجراءات الحظر المتكررة وتراجع مستوى العمل”.
ويضيف الشاب الذي يعيش في “سكن شبابي” في المنطقة ذاتها التي يعمل بها: “لست الوحيد الذي انتهى به الحال محجورا في المنزل، بل هناك المئات في منطقتي فقدوا أعمالهم، وبشكل أخص عمال اليومية الذين يتقاضون الأجر عن كل يوم يعملون به”.
الآلاف بل عشرات الآلاف من العمال السوريين كانوا قد وصلوا إلى إسطنبول في السنوات الماضية، وبينما عثر البعض على أعمال متفرقة في ورشات البناء والإكساء، اتجه آخرون إلى المعامل التي تتركز في المناطق الصناعية داخل المدينة، وتعتبر إسنيورت ومحيطها النقطة الأبرز لهكذا أعمال.
ونادرا ما يحصل العامل السوري اللاجئ على إذن للعمل في البلاد، وخاصة “عمال اليومية”، وبذلك يكونون مجردين من كامل حقوقهم القانونية في حال فكر رب العمل بالاستغناء عنهم، وخاصة في أحلك الظروف المتعلقة بفيروس كورونا وإجراءات الإغلاق الكاملة.
“أمام كارثة”
ليس بعيدا عن حي إسنيورت الذي يعيش ويعمل فيه الشاب عبد السلام الخطيب، توقف عمل الثلاثيني سامر المحفوظ، بعد تلقيه نبأ إيقاف العمل من صاحب ورشة الأحذية التي يعمل بها في حي أفجلر، سواء في أيام الحظر المقبلة أو ما بعدها.
يقول المحفوظ في تصريحات لموقع “الحرة”: “نحن أمام كارثة. أيام زمان راحت والوضع تغير كتير. الشغل بالنادر نلاقيه، والله يستر من الأيام الجاية”.
وكان الثلاثيني في السابق يتقاضى ما قيمته 100 ليرة تركية لقاء عمل يوم كامل (12 ساعة)، وبذلك يصل مرتبه الشهري 2600 ليرة تركية بدون احتساب أيام العطلة، ويوضح: “أدفع إيجار منزلي 1500 ليرة ليتبقى لي 1000 ليرة تركية. الآن لم يعد هناك لا الإيجار ولا المصروف”.
وتدخل تركيا الخميس في أطول فترة إغلاق بسبب تداعيات فيروس “كورونا” وتصاعد وتيرة الإصابة به، وبحسب بيان مصور للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان فإن الحظر الكلي يبدأ اعتبارا من السابعة من مساء الخميس، 29 من أبريل الحالي، وحتى الاثنين 17 من مايو المقبل.
وأضاف الرئيس التركي أن المطاعم ستبقى تعمل بخدمات التوصيل، والمواصلات ستعمل بنصف طاقتها، مشيرا: “نبذل جهدنا لتخفيض الأرقام في الإصابات إلى أقل من خمسة آلاف، لتجنب فواتير كبيرة على صعيد البلاد”.
وهناك استثناءات في الحظر الكلي، لكنها تشمل قطاعات معينة بعيدا عن العمال في المصانع وآخرين ضمن آلية “اليومية”، وبحسب ما يقول الشاب سامر المحفوظ: “هناك عمال أتراك يعملون باليومية أيضا وتوقفت مراتبهم”.
ويضيف أن هؤلاء العمال الأتراك بدأوا في الأيام الماضية التجهيز للعودة إلى قراهم البعيدة عن إسطنبول، بينما فضل البعض البقاء، على أن يبدأ رحلة البحث عن العمل من جديد بعد انتهاء الحظر الكلي.
“لا خيارات بديلة”
لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة عن عدد العمال السوريين الموجودين في تركيا، وتشير بعض التقديرات إلى أنهم يصلون لنحو مليون، موزعين على مختلف الولايات التركية، وبشكل خاص في إسطنبول ومدن قيصري وبورصة وغازي عنتاب، وهي التي تضم نسبة أكبر من المعامل التي تحتاج يد عاملة كبيرة.
وأمام ما سبق من إغلاق كامل وما سبقته من إغلاقات جزئية ضاعفت من الكارثة، تنعدم الخيارات البديلة أمام هؤلاء العمال، وقد تكون المشكلة أكبر عند الحديث عن وجود عائلات من خلفهم، وتحتاج بشكل يومي مصروفا يزيد عن 300 ليرة تركية أمام الغلاء الحالي في الأسواق.
الشاب سمير قدور حسم أمره في اليومين الماضيين، وقرر العودة إلى سوريا بعد انعدام خياراته بالبحث عن عمل أو الثبات به لفترة طويلة نوعا ما.
ووصل الأربعاء إلى مدينة أنطاكيا وهو الآن بانتظار الحصول على تصريح الموافقة للدخول إلى الأراضي السورية، ويقول لموقع “الحرة”: “هناك المئات من الشبان قرروا العودة أيضا، بعد فقدانهم أعمالهم وعجزهم عن تحصل المصروف اليومي للعيش أو دفع إيجارات المنازل”.
“قد لا أعود مجددا حتى تنتهي إجراءات كورونا بالكامل”، يتابع الشاب العشريني ويشير إلى أن بعض الشبان كانوا يخططون للدخول إلى سوريا بموجب “إجازة العيد” التي تمنحها الحكومة التركية في كل عام، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك بعد إلغاء هذه الإجازة بسبب “كورونا” أيضا.
ويوضح الشاب “نستطيع القول إن جميع العمال السوريين متضررون. الضرر يتفاوت بين الجزئي والكلي، لاسيما أن بعض الورش والمصانع أغلقت بشكل كامل وتوقفت عن العمل”.
والأربعاء تداول ناشطون سوريون في جنوب تركيا صورا وقالوا إنها لأكثر من 300 شاب سوري قرروا تسليم بطاقات الحماية المؤقتة والعودة الطوعية إلى سوريا، وهو الأمر الذي أكدته مصادر لموقع “الحرة”، مشيرة إلى أن العودة ترتبط بسبب توقف الأعمال وصعوبة الوضع المعيشي.
ماذا عن المساعدات؟
وسبق وأن أعلنت الحكومة التركية عن مساعدات مالية للمتضررين من “كورونا”، لكن ذلك لم يشمل السوريين، بل خص العمال الأتراك، على أن يتم منحهم نحو 1200 ليرة تركية (170 دولارا).
في المقابل تعمل جمعيات سورية بالشراكة مع “الهلال الأحمر التركي” في الوقت الحالي على توزيع مساعدات عينية لبعض الأسر السورية، التي تضررت بشكل كبير من إجراءات كورونا، وفقدت مصدرها المالي الوحيد.
ومع ذلك لا تشكل هذه المساعدات العينية حلولا كاملا، بل من شأنها أن تحل وضع العائلات المتضررة لأيام أو ربما أسابيع فقط.
المنسق العام لطاولة الحلول، الطبيب مهدي داوود، يقول في تصريحات لموقع “الحرة” إن إجراءات “كورونا أصابت الكثير من المجالات الاقتصادية وأحدثت شللا. عدد المتضررين من الناس سواء الأتراك والسوريين كبير جدا”.
ويضيف داوود: “الحياة المعيشية في تركيا صعبة جدا بالنسبة للأتراك فما بالك للأجانب. نحن كطاولة حلول نحاول التواصل مع جهات كثيرة لدعم المتضررين، سواء الهلال الأحمر التركي أو الولايات التركية”.
وتضم “طاولة الحلول” التي يشغل داوود منصب منسقها العام أكثر من 40 مؤسسة، كما تضم شخصيات من ناشطين، سواء إعلاميين وأكاديميين مهتمين بالعمل الإنساني، والعمل داخل سوريا.
ويتابع داوود: “الدعم الذي نحاول تأمينه يخص العمال السوريين الذين لا يملكون إذن عمل أو ضمان اجتماعي. تواصلنا مع ولاية أضنة وأنقرة وإسطنبول، وسيكون هناك توزيع مساعدات عينية للأشخاص”.