الصحفي عبدالله ملكاوي.. من الجبهات إلى التكريم بفضل وثائقي عن المهاجرين
حاوره سعيد الحاج
فاز وثائقي “ليبيا … العبور إلى الجحيم”، بجائزة “2020 One World Media” عن فئة قضايا اللاجئين، وهي واحدة من أهم الجوائز العالمية الممنوحة لأفضل الأعمال الصحفية.
ثلاثة صحفيين من قناة “فرانس 24” هم عبدالله ملكاوي، جولي دنغلهوف وكاثرين نوريس ترنت، أنجزوا هذا الوثائقي وعُرض بالعربية والفرنسية والإنجليزية ووثق جوانب من أزمة اللاجئين المتواجدين في ليبيا، التي تحولت إلى معضلة إنسانية في بلد مزقته الصراعات المسلحة، ويعتبره اللاجئون محطة مؤقتة نحو وجهتهم النهائية المتمثلة بالقارة الأوروبية التي لا يترددون في محاولة بلوغها بحرًا وعلى نحو غير شرعي، معرضين حياتهم للخطر.
وأشار مراسل فرانس24 عبدالله ملكاوي، في حديث خاص لـ “المورد”، إلى أن ما ميّز هذا العمل عن سواه هو مرافقة الفريق لخفر السواحل الليبي في مهمة إنقاذ وإعادة مهاجرين من عُرض البحر.
وأوضح ملكاوي وهو مراسل ميداني متجول أنه خلال إتمامهم إجراءات الصعود على متن زورق خفر السواحل، صادف صحافيين آخرين يحاولون الحصول على موافقة لركوب البحر مع الزورق لكنهم لم يتمكنوا من ذلك.
فيما واجه فريق “فرانس 24 العديد من الصعوبات خلال التحضير والتصوير، خصوصًا أن الحصول على اعتماد صحافي من قبل مكتب الإعلام الخارجي في طرابلس أمر صعب، وبالتالي كان لا بد من إقناع المكتب باستقلالية القناة ونقلها للصورة كما هي بعيدًا عن أي حسابات سياسية.
بالتوازي، يفرض وجود أطراف متقاتلة متعددة، الحصول على موافقات التصوير من جهات مختلفة، ويُعتبر ذلك بدوره مهمة غاية في التعقيد، لأن انتزاع موافقة التصوير من إحدى الكتائب المقاتلة لا يعني بالضرورة تسهيل مهمة فريق القناة، بعدما اصطدم بكتيبة أخرى تقاتل على المحور ذاته.
وروى ملكاوي كيف حاول قائد إحدى الكتائب انتزاع كاميرا التصوير من يد جولي دنغلهوف بغرض إتلاف محتواها، لكن الأخيرة تشبثت بها مانعة إياه من الاستحواذ عليها، قبل تدارك الأمر من قبل عناصر الكتيبة التي كان فريق “فرانس 24” يرافقها.
في بعض الأحيان أخذت الأمور منحى كاد يهدد سلامة الفريق حيث وصل صحافيو “فرانس 24” إلى طرابلس في وقت اشتدت فيه المعارك على أبواب العاصمة الليبية بين القوات الموالية لحكومة الوفاق الليبية وتلك التابعة لخليفة حفتر. وعليه، راودت بعض العناصر المسلحة شكوك حيال استقلالية ملكاوي وزميلتيه حتى وصل الأمر إلى حد الاعتقاد بكونهم يتجسسون لصالح قوات حفتر، وهي شكوك فسرها ملكاوي بسببين اثنين، أولًا: اتهام فرنسا بدعم حفتر، وثانيًا: الصورة النمطية المغروسة في الوعي العربي حيال أي وسيلة إعلام دولية، والتي يتم تقديمها غالبًا كامتداد سياسي للحكومات.
ملكاوي شدد على ضرورة معالجة هذه المواقف بتعقل، ففي مناطق النزاع العسكري، يتوجب على أي صحافي المحافظة على شيئين اثنين للعودة بهما: حياته والمواد المصورة، مع الإشارة إلى أن الصعوبات استمرت في البحر مثلما هي على البر، حيث تطلبت مرافقة زورق خفر السواحل الليبي إلحاحًا من الفريق.
والحال أن الصحافيين الثلاثة أدركوا منذ البداية أن القيمة المضافة لرحلتهم الليبية تتلخص في إنجاز هذا السبق الصحافي، وبالتالي سعوا إلى الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية، التي قد لا تتكرر، لأبعد الحدود متحدين دوار البحر واشتداد الآلام الجسدية، لكن ما عجزوا عن مقارعته هو الحس الإنساني الذي تغلب على المهنية، حسب تعبير ملكاوي.
وكما ورد في الوثائقي، ظن بعض المهاجرين أن انتشالهم تم على يد منظمة إنسانية ما يعني نجاحهم في الوصول إلى وجهتهم، حيث لن تقوم المنظمة المفترضة بإعادتهم إلى ليبيا.
وبحسب ملكاوي، التبس عليهم الأمر بعد رؤيتهم لفريق “فرانس 24” المكون من امرأتين أوروبيتين ورجل يتحدث العربية، مضيفًا أنه لم يكن يفترض بهم توضيح الموقف بل ترك الأمور تسير من دون أي تدخل من قبلهم، فمهمتهم الصحافية تقتضي نقل الصورة كما هي، لكنه فشل في التجرد من إنسانيته، خصوصًا حين توسل اللاجئون إليهم طالبين اصطحابهم إلى إيطاليا معتقدين امتلاكهم “ترف تحديد وجهتهم الأوروبية”.
وفيما رأى أولئك المساكين في الفريق طوق النجاة، اضطر ملكاوي في نهاية المطاف إلى”نطق حكم الإعدام”، وفي تلك اللحظة “تغلب الإنسان على الصحافي”.
وأوضح ملكاوي أن هؤلاء المهاجرين باعوا كل ما يملكونه للوصول إلى ليبيا، واضطروا في مرحلة ثانية للعمل في أقسى الظروف بغية جمع ثمن الصعود إلى القارب، وهو مسار معبد في كل محطاته بسوء المعاملة والتعذيب كما بالاعتداءات الجنسية التي لم توفر النساء كما الرجال، فكان انهيارهم أمام عدسة “فرانس 24” تعبيرًا عن أمل لم يبصر النور وعودة إلى نقطة الصفر.
من هنا يمكن فهم اعتماد عبارة “الجحيم” في عنوان الوثائقي الذي يحيل بدوره إلى العذاب الأبدي.
ورغم ظفرهم بهذا السبق الصحافي، لم يخفِ ملكاوي خيبته لعدم تمكنهم من الولوج إلى أحد مراكز إيواء اللاجئين غير الرسمية، أي التي تديرها إحدى شبكات التهريب، وتضم هذه المراكز السواد الأعظم من اللاجئين، كما أنها مراكز غير خاضعة لسلطة ورقابة أي جهة رسمية أو حقوقية، تنتهك فيها أبسط الحقوق والكرامات الإنسانية على نحو يفوق بأضعاف مضاعفة كل ما تم توثيقه حتى اللحظة.
وبما أن المطلوب كان بث الوثائقي باللغات الثلاث، توجب إرسال فريق من ثلاثة صحافيين، وهو عددٌ غير محبذ في مناطق النزاع المسلح المحمولة لهذا الغرض.
ملكاوي أكّد على ضرورة تجانس الفريق، فحين حاول أحد العناصر المسلحة منعهم، ذات مرة من التصوير من دون سبب وجيه، لجأ إلى حيلة معدة سلفًا بغرض المماطلة والمراوغة لكسب مشاهد إضافية، وهي مهارات اكتسبها عبدالله ملكاوي من تجربته الميدانية، خصوصًا في السنوات الأخيرة، قام بتغطية أحداث مفصلية شهدتها عدة دول منها ليبيا والسودان ومصر وسوريا والعراق وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وأوكرانيا وفنزويلا.