فلم اخرجه حاتم علي في 2008 يوصف حال المعتقلين السياسيين في سوريا
تطرق المخرج السوري الراحل حاتم علي، في فيلم “الليل الطويل” الذي أنتج في عام 2009، لموضوع إنساني حساس، بالنظر للوقت الذي أبصر فيه النور، إذ يتناول العمل واقع أوضاع السجناء السياسيين في سوريا، في ظل حكم “حزب البعث”.
ويسلّط الفيلم الضوء على أربع سجناء سياسيين، يُطلق سراح ثلاثة منهم، فيما يبقى بالرابع في المعتقل.
الكاتب والمخرج المعارض هيثم حقي
ويصوّر العمل الذي كتبه هيثم حقي، آلية المساومة التي يتبعها النظام قبل الإفراج عن المعتقل السياسي الذي أُزهقت أبهى سنوات حياته في أقبية السجون والمعتقلات، إذ يتطلب الإفراج في نهاية المطاف توقيع المعتقل على ورقة يتعهد من خلالها بالعمل مخبرًا للسلطة.
هذا ما رفضه “أبو نضال” الذي جسّد دوره الفنان الراحل خالد تاجا، فأُفرج عنه بدون شروط بعدما استنزفت سنوات حياته خلف القضبان، على خلاف معتقل آخر أصرّ ضابط المخابرات على توقيعه وتعهده بالتعامل مع السلطة، وللمفارقة فإن السلطة تطلب من المعتقل الذي أُفرج عنه التجسس على من يمتلكون نشاطًا سياسيًا، كالذي عُوقب بالسجن سنوات من أجله.
البطولة الحقيقية لأبو نضال تُضطر أسرته لإعادة ترتيب مشهد حياتها في يوم خروجه من السجن، فبمجرد سماع الخبر أخلى نضال، الابن الأكبر، غرفة أبيه التي استوطنها بمباركة أمه الراحلة، لظن الأخيرة أن والده لن يبصر النور من جديد.
وفي الليلة الممتدة من لحظة مغادرة المعتقل وبانتظار وصول الغائب، تُقام من جديد محاكمة لسلوكيات وتصرفات سلكها الأبناء على مدار السنوات العشرين التي قضاها الأب خلف الأبواب الموصدة، فنرى كفاح (الابن الأصغر لأبو نضال)، والذي لعب شخصيته الممثل باسل خياط، متمسكًا بأفكار ومبادئ والده في وجه زواج أخته (أمل عرفة)، قبل سنوات طويلة، من ابن مسؤول رفيع المستوى وصديق سابق لأبو نضال ويخالفه في الأفكار السياسية (رفيق سبيعي).
هذا الزواج باركه الأخ الأكبر نضال (زهير عبد الكريم)، كزواج مصلحة استفاد منه ورفعه في عمله كمحامٍ إلى قضايا ذات مكاسب مادّية كبيرة، فبدا لهم، بعد نقاش حاد مع كفاح، أنهم بمثابة شركاء في خيانة المبادئ التي طمرت والدهم عشرين عامًا في سجون تناهشت شبابه.
ممثلي فلم الليل الطويل تبنوا مبادئ الثورة السورية
اللافت في الفيلم أن عددًا من ممثلي العمل تبنوا مع انطلاق الثورة السورية المبادئ نفسها التي حملوها في العمل، بدءًا من الفنان الراحل خالد تاجا، الذي لعب دور أبو نضال، وصولًا إلى زهير عبد الكريم، الذي لعب دور ابنه نضال، بالإضافة إلى رفيق سبيعي والذي جسّد شخصية المسؤول المتنفذ في السلطة.
تتسارع الأحداث كلها على مدار أكثر من تسعين دقيقة وتدور في ليلة واحدة يطلع صبحها بنهاية محزنة ومؤثرة، تعكس كيف يسرق النظام السياسي حياة المعتقلين ويستهلكها دون وجه حق.
شارك في بطولة الفيلم أيضًا حاتم علي وأنطوانيت نجيب وسليم صبري ورغد مخلوف ومحمد خاوندي وأحمد رافع، والموسيقى التي لعبت دورًا في إيضاح الرسالة التي تخلو من الكلام بتوقيع كنان أبو عفش.
حصل الفيلم على جوائز عديدة منها، الجائزة الكبرى من مهرجان “تاورمينا” كأفضل فيلم سينمائي دولي في عام 2009، والجائزة الكبرى لأفضل فيلم في مهرجان “نيودلهي” في نفس العام، وجائزة “اتحاد النقاد السينمائيين العالمي ودعم الفيلم الآسيوي”، كما نال جائزة تقديرية من مهرجان “روتردام للسينما العربية” 2009.
موقف المخرج حاتم علي من الثورة السورية
رغم قلة تصريحاته وتعليقاته السياسية، إلا أن “حاتم علي” من الفنانين والمخرجين السوريين الذي عبروا عن معارضتهم لنظام الأسد، عقب انطلاق الثورة السورية عام 2011.
وفصلت نقابة الفنانين السوريين “حاتم علي” من النقابة، في يوليو/ تموز عام 2015، ومعه العشرات من الفانين السوريين المعارضين لنظام الأسد، مثل “سمر كوكش” و”رامي حنا” وغيرهم.
وفي حوار مع صحيفة “الوفد” المصرية، في فبراير شباط عام 2013، قال المخرج السوري الراحل عند سؤاله عن الأحداث الدامية في سوريا حينها، قائلاً: “سوريا ليست بخير، ويعيش شعبها مأساة حقيقية ورائحة الدم تفوح في الشوارع، ولم أتخيل يوماً أن تكون سوريا بها أحداث دموية، والذي يحدث يجعلني قلقاً علي الشعب”.
وأردف: “إذا استمر هذا الوضع كثيراً فمن الصعب الرجوع إلي الاستقرار بسهولة، ولا نملك إلا الدعاء لحماية الشعب السوري”.
وأضاف: “إن الثورات لم تكتمل بعد، وتحتاج إلي دراسة لتنفيذ أهدافها التي تُخرِج الشعوب من النفق الضيق الذي يعيشون فيه إلي طريق الحريات، ولابد أن ينتبهوا إلي أن تمزيق الوطن ليس في صالح ثوراتهم”.